تحذيرات دولية: التمويل العقاري عبر العملات الرقمية يهدد استقرار الأسواق التقليدية
في خطوة تُنذر بتداعيات اقتصادية خطيرة، حذّر عدد من خبراء الاقتصاد العالميين من تزايد استخدام العملات الرقمية كضمان في تمويلات الرهن العقاري، مشيرين إلى أن هذا التوجه قد يُضفي تقلبات خطيرة على الأسواق العقارية والمالية التقليدية.
وقد تم تسليط الضوء على هذه القضية في تقرير حديث صادر عن مؤسسة S&P Global Ratings، حيث أكدت أن ربط العملات الرقمية بالرهون العقارية يشكل مخاطرة مباشرة، من شأنها تهديد استقرار السوق، خاصة في حال انخفاض قيمة العملات المشفرة بشكل حاد ومفاجئ.
التحول المالي الرقمي قد يؤدي إلى اهتزاز سوق العقارات
لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة صعودًا هائلًا في استخدام العملات المشفرة، ليس فقط كأداة استثمارية، بل أيضًا كوسيلة للتمويل وتقديم الضمانات. ومع تزايد هذه الممارسات، ظهرت اتجاهات حديثة تسعى لاستخدام الأصول الرقمية كضمان في طلبات التمويل العقاري.
ولكن، وبحسب محللين لدى S&P، فإن هذه الخطوة قد تكون محفوفة بالمخاطر؛ إذ تُعرف العملات الرقمية بتقلباتها الحادة، ما قد يؤدي إلى انهيار الضمان في حال انخفاض القيمة، مما يهدد سلامة الرهونات ويعزز احتمالات التخلف عن السداد.
العملات الرقمية لا تخضع لضوابط تنظيمية كافية
من أبرز المخاوف التي أُثيرت، أن العملات الرقمية لا تزال تعمل خارج الإطار التنظيمي للمؤسسات المالية التقليدية. فبخلاف الأصول التقليدية كالعقارات أو الأوراق المالية، لا تخضع العملات المشفرة لإشراف حكومي مباشر، مما يعقّد إجراءات التقييم ويزيد من خطورة استخدامها كضمان.
وعلى الرغم من دخول بعض المؤسسات البنكية في تجارب محدودة لدمج الأصول الرقمية في منظومة التمويل، فإن الخبراء يحذرون من أن تسارع هذا التوجه دون وضع ضوابط تنظيمية قد يعرّض النظام المالي العالمي لمخاطر جذرية.
التأثير المحتمل على المقترضين والسوق العقاري
عند حدوث انخفاض كبير في أسعار العملات الرقمية، فإن الضمانات المقدمة للرهن تفقد قيمتها، ما يدفع المقرضين للمطالبة بتغطيات إضافية أو تسريع إجراءات الحجز على العقار. هذه الديناميكية قد تؤدي إلى موجة من البيوع القسرية، وبالتالي تراجع حاد في أسعار العقارات، وارتفاع في حالات الإفلاس.
علاوة على ذلك، فإن الأسواق العقارية في الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، قد تشهد تقلبات غير مسبوقة إذا تم السماح بدمج الأصول الرقمية في عمليات التمويل العقاري بشكل واسع.
تجارب محدودة ومخاوف متزايدة
بعض الشركات الناشئة، خاصة في وادي السيليكون، بدأت بالفعل في تقديم خدمات رهن عقاري قائمة على العملات المشفرة. ورغم أنها تجارب محدودة، إلا أن الانتشار السريع للتقنيات المالية الحديثة يفتح الباب أمام احتمالية اتساع هذا النوع من التمويل، حتى في ظل غياب التنظيم الكافي.
وحذر التقرير من أن هذه الممارسات قد تفتح الباب أمام استغلال المستهلكين وتضليلهم، إذ قد يتم تقديم عروض مغرية ذات فوائد منخفضة مقابل ضمانات رقمية متذبذبة القيمة.
الحاجة العاجلة إلى أطر تنظيمية دولية
دعا خبراء S&P الحكومات والبنوك المركزية إلى ضرورة وضع إطار تنظيمي دولي عاجل يحدد حدود استخدام العملات الرقمية كضمانات تمويلية، مع وضع معايير صارمة لتقييم المخاطر وتحديد شروط واضحة للجهات المقرضة.
كما أشار التقرير إلى أهمية التعاون بين الهيئات التنظيمية والمؤسسات المصرفية العالمية لاحتواء هذه الظاهرة قبل تفاقمها وتحولها إلى أزمة مالية جديدة قد تُقارن بأزمة الرهن العقاري لعام 2008.
العملات الرقمية و”أوهام الضمانات”
في ظل الغموض المحيط بتقييم العملات المشفرة، يعتبر الخبراء أن استخدامها كضمان قد يخلق “أوهام ضمانية”، حيث يعتقد المقرضون أنهم يمتلكون أصولًا ذات قيمة ثابتة، في حين أن الواقع يشير إلى تقلبات شديدة قد تفضي إلى محو قيمة الضمانات بالكامل خلال أيام معدودة.
هذه الأوهام قد تُضعف قرارات الإقراض، وتُغري المقرضين بمنح تمويلات تفوق قدرة المقترضين على السداد، مما يزيد من احتمالية الانهيار المالي.
الخلاصة: دمج العملات الرقمية بالتمويل العقاري خطوة محفوفة بالمخاطر
يخلص تقرير S&P إلى أن استخدام العملات الرقمية كضمانات تمويل عقاري يمثل تحديًا كبيرًا للاستقرار المالي العالمي. وبينما لا يمكن إنكار أهمية الابتكار في القطاع المالي، إلا أن تجاهل المخاطر التنظيمية والمصرفية قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية عميقة.
ويبدو أن المرحلة القادمة ستشهد نقاشًا عالميًا متزايدًا حول كيفية تنظيم العلاقة بين التمويل الرقمي والعقارات، حيث تتقاطع المصالح التكنولوجية مع الضرورات الاقتصادية والاجتماعية.
