تحذيرات رسمية من تنظيم مفرط للتمويل اللامركزي: دعوة مجلس الشيوخ الأمريكي للتيقظ والتأني
تحرك تشريعي أمريكي مثير للجدل يثير قلق مؤسسات التمويل اللامركزي
في تطور لافت يعكس تصاعد التوتر بين الجهات التنظيمية الأمريكية ومجتمع التمويل اللامركزي (DeFi)، وجّهت مؤسسة “صندوق تعليم التمويل اللامركزي” (DeFi Education Fund)، بالشراكة مع عدد من الجهات الحقوقية والبحثية، رسالة مشتركة إلى لجنة الشؤون المصرفية في مجلس الشيوخ الأمريكي، دعت خلالها إلى ضرورة توخي الحذر الشديد قبل إقرار أية تشريعات تنظم مجال التمويل اللامركزي.
وقد جاءت هذه الخطوة في وقت يشهد فيه المشهد الرقمي الأمريكي زخماً متزايداً من المبادرات التنظيمية، التي تهدف إلى فرض رقابة قانونية على منظومة العقود الذكية والبروتوكولات اللامركزية. غير أن هذه المحاولات أثارت مخاوف عميقة في الأوساط التقنية والحقوقية، خاصة فيما يتعلق بتأثير تلك القوانين على الحريات الرقمية، وحقوق المستخدمين، والابتكار التقني.
مضمون الرسالة: تحذير من التسرع وطمس الابتكار
أوضحت الرسالة، التي وُجهت بتاريخ 30 يوليو 2025، أن مسودة القانون المقترحة – والتي يُعرف مشروعها بـ«قانون حماية المستهلك في مجال الأصول الرقمية» – تحمل مخاطر جوهرية قد تؤدي إلى تجريم استخدام تقنيات مفتوحة المصدر دون تمييز. وقد وقّعت الرسالة منظمات بارزة، مثل:
-
مركز الديمقراطية والتقنية (CDT)
-
منظمة “Fight for the Future”
-
مؤسسة “Coin Center”
-
مبادرة “Blockchain Association”
-
معهد التكنولوجيا والسياسة التقدمية
وقد اعتبرت هذه الجهات أن القانون، بصيغته الحالية، سيؤدي فعلياً إلى تحميل المطورين مسؤوليات قانونية عن برمجيات لامركزية لا يسيطرون عليها، وهو ما يتناقض جذرياً مع مفهوم التمويل اللامركزي، الذي لا يخضع لجهة مركزية أو سلطة تنفيذية مباشرة.
البنية القانونية محل الخلاف: تعريف المطور كمُقدّم خدمات مالية
يتركز الجدل القانوني الحالي حول محاولة مشروع القانون تعريف مطوري البرمجيات اللامركزية كمزودي خدمات مالية، الأمر الذي سيخضعهم لإجراءات ترخيص ورقابة صارمة شبيهة بتلك التي تخضع لها المؤسسات المصرفية التقليدية.
وقد أكدت الرسالة أن هذا النهج لا يعكس الفهم التقني الدقيق للبنية اللامركزية، كما أنه يهدد بفرض قيود قانونية على البرمجيات مفتوحة المصدر التي تُستخدم لبناء التطبيقات المالية الحديثة. ومن ثم، فإن ذلك قد يُسفر عن كبح الابتكار في مجال لا يزال في طور النمو والتطور.
التمويل اللامركزي بين الابتكار والمسؤولية القانونية
رغم التأكيد المتكرر من الهيئات التنظيمية الأمريكية على أهمية مكافحة غسل الأموال وحماية المستهلكين، شدد الموقعون على الرسالة على ضرورة الموازنة بين الأهداف الرقابية وحرية التطوير التكنولوجي.
وفي هذا السياق، نوّهت مؤسسة DeFi Education Fund إلى أن قوانين مكافحة الجريمة يجب ألا تُستخدم كذريعة لتقييد الابتكار أو تجريم استخدام التكنولوجيا.
كما دعت إلى اتباع نهج قائم على الحوار المفتوح مع مجتمع المبرمجين والباحثين، بدلاً من فرض تشريعات أحادية الجانب قد تؤدي إلى نتائج عكسية غير مقصودة.
توصيات المجتمع التقني: تشريع ذكي وليس قمعي
وقد تضمن الخطاب المشترك توصيات واضحة تتضمن ما يلي:
-
إعادة صياغة تعريفات القانون بما يتوافق مع الواقع التقني للبروتوكولات اللامركزية.
-
استثناء البرمجيات مفتوحة المصدر من نطاق المسؤولية القانونية الجنائية أو المدنية.
-
إشراك الجهات المطورة ومؤسسات المجتمع المدني في صياغة الإطار التنظيمي بشكل تشاركي.
-
إجراء تقييم تأثير تشريعي شامل قبل اعتماد أي صيغة قانونية نهائية.
وأكدت المؤسسات الموقعة أن تجاهل هذه المطالب قد يؤدي إلى نتائج كارثية، تشمل خروج الابتكار التقني من الولايات المتحدة نحو دول أكثر انفتاحاً على التطوير التكنولوجي.
تداعيات قانونية واقتصادية مرتقبة
في حال إقرار مشروع القانون بصيغته الحالية، فإن عدداً من بروتوكولات التمويل اللامركزي الرائدة قد تُجبر على التوقف عن العمل في السوق الأمريكي، أو تعديل بنيتها بالكامل للتوافق مع الاشتراطات التنظيمية الجديدة.
وقد حذر مركز Coin Center من أن مثل هذه التغييرات قد تُفرغ التمويل اللامركزي من جوهره، وتحوّله إلى نظام شبه مركزي، يخضع للموافقات والإفصاحات القانونية.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الجهات داخل الكونغرس الأمريكي أبدت تأييداً حذراً لمشروع القانون، معتبرة أنه خطوة ضرورية لحماية الاقتصاد الرقمي من الاستغلال غير المشروع. إلا أن الجدل لا يزال محتدماً حول الصياغة القانونية والتعريفات المستخدمة في نص القانون.
توجهات مستقبلية: هل تنجح الرسالة في وقف التشريع؟
لا يزال الوقت مبكراً لمعرفة ما إذا كانت هذه الرسالة ستؤدي إلى تعديل مشروع القانون أو تأجيله. غير أن هذا التحرك يشكل إشارة قوية على أن المجتمع التقني والحقوقي لن يقف صامتاً أمام أي محاولة لإضعاف حرية البرمجة أو تقييد التطبيقات اللامركزية.
وفي ضوء هذه التطورات، يتوقع مراقبون أن تشهد المرحلة المقبلة مزيداً من النقاشات المكثفة بين لجان الكونغرس والمجتمع التقني، في محاولة لإيجاد صيغة توازن بين الحاجة إلى التنظيم، ومتطلبات الحفاظ على البيئة الابتكارية.
وبذلك، تدخل الولايات المتحدة منعطفاً حاسماً في رسم مستقبل التمويل اللامركزي داخل حدودها، وسط صراع مستمر بين متطلبات الأمن القومي، وحتمية احترام الحريات الرقمية والتكنولوجية.
