الحزب الديمقراطي في كوريا الجنوبية يُطلق لجنة وطنية للعملات المشفرة لتعزيز السياسات والتنظيم

في خطوة تؤكد على التزام كوريا الجنوبية بتحديث سياساتها المالية الرقمية، أعلن الحزب الديمقراطي الحاكم عن إطلاق “اللجنة الوطنية للعملات المشفرة”، التي تهدف إلى تنظيم القطاع ودعم البيئة التشريعية لتقنيات البلوكشين والعملات الرقمية. وتُعد هذه المبادرة هي الأولى من نوعها على مستوى الأحزاب السياسية في البلاد، ما يعكس تحوّلًا في النظرة المؤسسية تجاه الأصول المشفرة.

خلفية الإعلان وتوقيته

جاء الإعلان في أعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتي شهدت تقدمًا واضحًا للحزب الديمقراطي. وقد أوضح المتحدث باسم الحزب أن تشكيل اللجنة يأتي استجابة لمطالب الناخبين والمستثمرين الذين أظهروا رغبة قوية في تطوير الإطار التنظيمي للعملات المشفرة، وتحقيق التوازن بين الابتكار والرقابة.

وقد تم إطلاق اللجنة في مقر البرلمان الكوري في سيول، بحضور عدد من المشرعين والخبراء والممثلين عن الصناعة الرقمية.

أهداف اللجنة وأجندتها التنظيمية

تسعى اللجنة الوطنية للعملات المشفرة إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، أهمها:

• وضع إطار تنظيمي متكامل: يشمل آليات إصدار التراخيص، والامتثال الضريبي، ومكافحة غسل الأموال.

• تعزيز الحوار مع القطاع الخاص: لتحديد المعوقات وتسهيل الابتكار في مجالات التمويل اللامركزي والأصول الرمزية.

• إعداد خطة وطنية للتعليم الرقمي: تستهدف رفع وعي المواطنين بكيفية استخدام وحماية أصولهم الرقمية.

وستتعاون اللجنة مع مؤسسات حكومية أخرى، مثل لجنة الخدمات المالية والبنك المركزي الكوري، لضمان اتساق السياسات المالية والرقابية.

تفاعل الأسواق مع القرار

قوبل هذا الإعلان بترحيب واسع في الأوساط الاستثمارية، إذ ارتفعت أحجام التداول في السوق الكورية بنسبة 8% في الساعات التالية للخبر. كما أبدت شركات ناشئة عديدة في مجالات التمويل اللامركزي وحفظ الأصول اهتمامها بالتعاون مع اللجنة لتطوير حلول قانونية وتقنية تحفز نمو القطاع.

ويُتوقع أن يسهم هذا التحول في تعزيز موقع كوريا الجنوبية كمركز إقليمي للابتكار الرقمي في آسيا.

الأبعاد السياسية للمبادرة

يمثل إنشاء اللجنة تحولًا سياسيًا ملحوظًا في سياسات الحزب الديمقراطي تجاه العملات المشفرة. فقد كانت الحكومة الكورية حتى وقت قريب تتخذ موقفًا حذرًا من العملات الرقمية، حيث فرضت في السابق قيودًا صارمة على التداولات وعمليات الطرح الأولي للعملات (ICOs).

ومع تزايد تبني التقنيات الرقمية، وتحوّل العملات المشفرة إلى أداة اقتصادية، أصبح من الضروري للحزب الحاكم تقديم مبادرات تتوافق مع تطلعات الشباب والمستثمرين وروّاد الأعمال.

العلاقة مع الإطار التنظيمي العالمي

تسعى كوريا الجنوبية، من خلال هذه الخطوة، إلى مواءمة سياساتها مع التوجهات العالمية نحو تنظيم الأصول الرقمية. حيث أشار أعضاء اللجنة إلى أنهم يتابعون عن كثب تطورات “قانون الأسواق في الأصول المشفرة” في الاتحاد الأوروبي (MiCA)، ويعملون على تطوير تشريع محلي موازٍ يعكس الخصوصيات الاقتصادية الكورية.

كما أبدت اللجنة رغبتها في التنسيق مع مؤسسات دولية مثل مجموعة العمل المالي (FATF) لضمان توافق معايير الامتثال العالمية.

دعوة لفتح حوار وطني شامل

دعت اللجنة، فور تشكيلها، إلى عقد طاولة حوار وطنية تضم ممثلين عن البنوك، وشركات التكنولوجيا، ومنظمات المجتمع المدني، لمناقشة أولويات المرحلة القادمة. ويُتوقع أن تُطرح ملفات مهمة مثل حماية المستهلك، وتنظيم عمليات الطرح الرمزي، والتعامل مع منصات التداول الأجنبية.

وقد أشار أحد أعضاء اللجنة إلى أن التنظيم العادل والمتوازن هو السبيل لضمان بيئة رقمية آمنة ومستدامة، دون كبح الابتكار أو فرض قيود مبالغ فيها.

 خطوة حاسمة نحو بناء مستقبل رقمي منظم

يُعد تأسيس اللجنة الوطنية للعملات المشفرة في كوريا الجنوبية خطوة استراتيجية تُجسد التحوّل التدريجي من الحذر إلى المبادرة في التعامل مع قطاع الأصول الرقمية. فبينما تستمر الأسواق العالمية في التوسع، تدرك سيول أن الوقت قد حان لتحديث الأطر القانونية، وتعزيز موقعها كمركز إقليمي للابتكار والتكنولوجيا المالية.

وتؤكد هذه الخطوة أن الدولة الحديثة لم تعد قادرة على تجاهل قوة الاقتصاد الرقمي، وأن التفاعل معه يتطلب رؤية شاملة، تتقاطع فيها التقنية مع القانون، والاقتصاد مع السيادة الرقمية.