تدفقات تاريخية غير مسبوقة: صناديق بيتكوين الفورية الأمريكية تستقطب أكثر من ملياري دولار في يومين فقط
تصاعد الثقة المؤسسية يدفع السوق نحو مستويات استثنائية
شهدت الأسواق المالية الأمريكية حدثًا بالغ الأهمية هذا الأسبوع، تمثل في تسجيل صناديق البيتكوين الفورية المدرجة في البورصة (ETFs) تدفقات قياسية بلغت مليار دولار يوميًا، ولمدة يومين متتاليين. تعد هذه السابقة الأولى من نوعها منذ إطلاق هذه الصناديق في يناير 2024، ما يعكس موجة ثقة استثنائية من قبل المؤسسات الاستثمارية في مستقبل الأصول الرقمية، وفي مقدمتها البيتكوين.
هذا الحدث الذي وصفته مؤسسات مالية كبرى بـ”اللحظة الفاصلة”، يمثل نقطة تحول جوهرية في العلاقة بين وول ستريت والعملات الرقمية. إذ إن تحقيق تدفقات مالية بهذه الضخامة، خلال يومين فقط، يكشف عن تنامي الإيمان المؤسسي بجدوى الأصول الرقمية، ليس فقط كمجرد أدوات للمضاربة، بل كأصول استثمارية استراتيجية طويلة الأمد.
صناديق البيتكوين الفورية: من تجربة محفوفة بالمخاوف إلى ملاذ مؤسسي قوي
في مطلع العام 2024، ومع موافقة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على أول صناديق بيتكوين فورية، كان العديد من المستثمرين يشككون في قدرتها على استقطاب تدفقات نقدية مؤثرة. لكن البيانات الأخيرة التي وثقتها شركة “SoSoValue” تؤكد أن هذه الصناديق تجاوزت كافة التوقعات.
ففي يوم الثلاثاء الماضي، سجلت صناديق البيتكوين الفورية تدفقات صافية إيجابية بلغت 1.06 مليار دولار أمريكي، تبعتها تدفقات إضافية يوم الأربعاء بقيمة 1.01 مليار دولار. وبهذا، تكون تلك الصناديق قد اجتذبت أكثر من ملياري دولار خلال 48 ساعة فقط، وهو رقم لم تشهده صناديق العملات الرقمية على الإطلاق.
BlackRock تتصدر المشهد وتكسر الحواجز التقليدية
من بين جميع الجهات المؤسسية، برز صندوق “iShares Bitcoin Trust” (IBIT) التابع لشركة BlackRock العملاقة باعتباره اللاعب الأكثر تأثيرًا في هذه الموجة التاريخية. إذ استحوذ الصندوق وحده على 1.08 مليار دولار من التدفقات يوم الثلاثاء، ما يجعله يتربع على عرش أقوى صناديق البيتكوين الفورية أداءً.
وفي ذات السياق، أظهرت بيانات اليوم التالي أن صندوق IBIT استقطب 802 مليون دولار إضافية، مما يرفع إجمالي التدفقات إلى نحو 1.88 مليار دولار خلال يومين. هذه الأرقام تعكس تحولًا استراتيجيًا لدى المؤسسات نحو التعامل مع البيتكوين كأداة تحوط مالي رئيسية.
انعكاسات مباشرة على السوق وأسعار البيتكوين
يأتي هذا التصاعد في التدفقات المؤسسية متزامنًا مع ارتفاع سعر البيتكوين فوق حاجز 59,000 دولار، بعد أن كان قد شهد تراجعات حادة في الأسابيع الماضية. ووفقًا لمحللين، فإن استعادة هذه المستويات السعرية تعزز من حالة الثقة في السوق، وتعيد ضبط التوقعات بشأن العودة إلى الذروة التاريخية التي لامسها البيتكوين في مارس الماضي عند 73,700 دولار.
ويرى خبراء السوق أن تدفقات الصناديق، خصوصًا من قبل مؤسسات كبرى مثل BlackRock وFidelity، تمثل إشارات واضحة على تبني طويل الأمد وليس مجرد موجات مؤقتة. فهذه الصناديق تتبع سياسات استثمارية صارمة تعتمد على الدراسة والتحليل طويل الأمد، ما يعزز من مكانة البيتكوين كأصل شرعي في المحفظة المؤسسية.
قوة الزخم المؤسسي تتحدى الهواجس التنظيمية
في ظل حالة الغموض التنظيمي التي تطغى على المشهد الرقمي في الولايات المتحدة، لا تزال صناديق البيتكوين الفورية قادرة على تحقيق نمو ملموس. وعلى الرغم من استمرار الجدل بين لجنة الأوراق المالية والبورصات وشركات التشفير حول تصنيف الأصول الرقمية، فإن تدفقات هذا الأسبوع تعكس حجم الطلب الحقيقي الكامن لدى المؤسسات المالية.
وتشير التحليلات إلى أن هذا الزخم الاستثماري قد يدفع الجهات التنظيمية إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه العملات الرقمية، خصوصًا مع تزايد الضغط السياسي من أطراف متعددة تطالب بتحديث الإطار التشريعي بما يتماشى مع تطورات السوق.
مستقبل صناديق البيتكوين الفورية: من مرحلة الاعتماد إلى النضج الاستثماري
تؤكد الأرقام الصادرة هذا الأسبوع أن صناديق البيتكوين الفورية لم تعد أدوات تجريبية كما في السابق، بل تحولت إلى أعمدة أساسية ضمن بنية الأسواق المالية الرقمية. ومن المتوقع أن تواصل هذه الصناديق جذب المزيد من التدفقات خلال الفترة القادمة، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية وتزايد الاهتمام السياسي بالقطاع الرقمي.
كما يرى محللو الأسواق في بنك JPMorgan أن استقرار البيتكوين فوق مستوى 60,000 دولار، بالتزامن مع ارتفاع أحجام التداول المؤسسي، قد يفتح الباب أمام موجة صعود جديدة. فكلما زادت مشاركة المؤسسات، زادت استدامة النمو في السوق، وقلت تقلباته.
السياق العالمي: هل تنتقل العدوى إلى أوروبا وآسيا؟
مع هذه التطورات الملفتة في الولايات المتحدة، يتساءل كثيرون عن إمكانية انتقال هذه الطفرة إلى أوروبا وآسيا. إذ إن العديد من البورصات في تلك المناطق ما زالت في مراحل مبكرة من اعتماد صناديق العملات الرقمية.
لكن نجاح النموذج الأمريكي قد يدفع الجهات التنظيمية في الاتحاد الأوروبي وهونغ كونغ وسنغافورة إلى تسريع عمليات الموافقة على منتجات مشابهة. وإذا ما حدث ذلك، فقد نشهد طفرة عالمية في صناديق العملات الرقمية الفورية خلال النصف الثاني من عام 2025.
في الختام: لحظة تحول جذرية في التاريخ المالي
ما نشهده اليوم هو لحظة حاسمة في مسيرة تطور النظام المالي العالمي، حيث تندمج الأصول الرقمية تدريجيًا في نسيج الاستثمارات التقليدية. وبينما لا تزال التحديات التنظيمية قائمة، إلا أن الأرقام والحقائق تشير إلى أن المؤسسات الكبرى اتخذت قرارها: البيتكوين لم يعد على الهامش، بل في قلب المشهد الاستثماري العالمي.