جهود دولية مكثفة لفرض شفافية مالية على قطاع الأصول الرقمية
في خطوة تنظيمية كبرى، أعلن المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية عن تفعيل الإطار التنظيمي الجديد المعروف بـ”CARF”. يأتي هذا القرار في سياق الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز الشفافية الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبي، وإخضاع معاملات العملات الرقمية للرقابة المؤسسية المنظمة.
يتبنى إطار “CARF”، الذي وضعته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، رؤية شاملة وموحدة لتبادل المعلومات المتعلقة بالأصول الرقمية بين السلطات الضريبية في مختلف دول العالم.
مشاركة 48 دولة ومقاطعة: توافق سياسي وتنظيمي نادر الحدوث
في بيان رسمي صدر عن المنتدى العالمي، أعلنت 48 دولة ومنطقة دعمها الكامل لتطبيق الإطار الجديد اعتبارًا من عام 2027. من أبرز الدول المشاركة: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، اليابان، سنغافورة، الإمارات العربية المتحدة، كندا، البرازيل، والأرجنتين. هذا التحالف يمثل نقطة تحول مهمة في مسار التنظيمات المالية المرتبطة بالعملات الرقمية.
كما أوضح المنتدى أن الاتفاق لا يقتصر على الدول المتقدمة فحسب، بل يشمل أيضًا اقتصادات ناشئة ومراكز مالية إقليمية تسعى لاعتماد معايير الإفصاح العالمية.
فرض الإبلاغ التلقائي: انقلاب تنظيمي في بنية السوق الرقمية
سيتطلب الإطار الجديد من مزودي خدمات الأصول الرقمية، بما في ذلك بورصات العملات المشفرة ومنصات التداول، الإفصاح التلقائي عن بيانات المعاملات والمستخدمين. وسيجري تبادل هذه المعلومات بين السلطات الضريبية المعنية في الدول المنضوية تحت الاتفاقية.
تهدف هذه الخطوة إلى سد الفجوات التنظيمية التي كانت تستغل في السابق للتهرب من الضرائب عبر معاملات غير موثقة.
دعم قوي من الولايات المتحدة: التزامات تشريعية قادمة
رغم أن الولايات المتحدة لم تكن من الموقعين الأصليين عند إطلاق إطار “CARF” عام 2022، فقد أكدت الإدارة الأمريكية التزامها الكامل بتطبيق النظام. أوضح البيان الأمريكي أن التعديلات التشريعية اللازمة ستُعرض على الكونغرس خلال السنوات المقبلة لضمان التوافق الكامل مع متطلبات الإطار الجديد.
ويعكس هذا الموقف الرسمي توجّهًا واضحًا نحو إعادة تشكيل البيئة التشريعية المحلية بما يتماشى مع المعايير العالمية.
بداية تفعيل النظام في 2027: استعدادات وتشريعات جارية
أكد المنتدى العالمي أن التنفيذ الفعلي للإطار سيبدأ عام 2027، مما يمنح الدول والمزودين الوقت اللازم لإجراء التعديلات القانونية والتقنية المطلوبة. وتشمل تلك التعديلات تطوير آليات الإبلاغ الرقمي، وإعادة هيكلة قواعد الامتثال، وتدريب الكوادر المؤسسية على معالجة البيانات المالية الرقمية.
تحديات محتملة: خصوصية المستخدمين على المحك
رغم الطابع الإيجابي للخطوة، أعربت بعض الأصوات عن قلقها من أن تؤدي متطلبات الإبلاغ إلى المساس بخصوصية المستخدمين. إذ يخشى البعض أن يؤدي هذا المستوى من الرقابة المالية إلى تقويض أحد المبادئ الأساسية التي تأسس عليها عالم العملات الرقمية: الخصوصية واللامركزية.
لكن المنتدى العالمي شدد على أن الإطار مصمم لحماية البيانات وضمان عدم إساءة استخدامها، مع توفير أعلى معايير الأمن السيبراني.
تحذير للمتهربين: لا مزيد من الملاذات الرقمية
أوضح المنتدى أن الإطار الجديد يشكل تحذيرًا مباشرًا لجميع الأفراد والكيانات التي تستغل العملات الرقمية لأغراض التهرب الضريبي. فبمجرد دخول النظام حيز التنفيذ، سيصبح من الصعب جدًا استخدام الأصول الرقمية لإخفاء الأموال أو تحويلها دون رقابة.
كما أشار المنتدى إلى أن الدول الأعضاء ستعمل بشكل مشترك على ملاحقة المخالفين وفرض عقوبات صارمة على المخالفات المحتملة.
تكامل مع أنظمة الإفصاح السابقة: CRS وCARF في منظومة واحدة
اللافت أن إطار CARF لا يعمل بمعزل عن الأنظمة القائمة، بل يُكمل نظام “المعيار المشترك للإبلاغ” (CRS) الذي يُستخدم حاليًا في تبادل المعلومات المصرفية عالميًا. حيث سيتم إدخال تعديلات على نظام CRS لضمان التكامل مع CARF، مما ينتج عنه نظام موحد لتبادل البيانات المالية، سواء كانت مصرفية أو رقمية.
أهمية الخطوة في شرعنة العملات الرقمية رسميًا
من خلال هذا التطور التنظيمي، تقترب العملات الرقمية من الحصول على اعتراف قانوني كامل في النظم المالية الدولية. ذلك أن الشفافية والامتثال يمثلان أساسًا لأي دمج ناجح للأصول الرقمية في الأنظمة المصرفية والضريبية الوطنية.
وبالتالي، فإن إطار CARF لا يشكّل مجرد آلية رقابة، بل يمهّد الطريق نحو شرعنة كاملة للقطاع الرقمي، وتحقيق الاستقرار التشريعي الذي تنتظره الأسواق والمؤسسات المالية منذ سنوات.