سبيربنك الروسي يعلن عن إطلاق خدمات حفظ الأصول الرقمية في عام 2026

خطوة روسية استراتيجية لتعزيز البنية التحتية للأصول الرقمية في ظل العقوبات الغربية

في خطوة رسمية تُعد الأولى من نوعها داخل روسيا، كشف “سبيربنك” — أكبر بنك في البلاد — عن نيته إطلاق منصة لحفظ العملات الرقمية بحلول عام 2026. يأتي هذا التوجه الاستراتيجي كجزء من خطة البنك الشاملة لتوسيع خدماته الرقمية، في ظل تنامي الاهتمام بالأصول المشفرة على الصعيدين المحلي والعالمي.

وبحسب تصريحات نُشرت على موقع البنك الرسمي، فإن الخدمة الجديدة ستُوفر للعملاء الروس — أفرادًا ومؤسسات — حلاً آمنًا وموثوقًا لتخزين العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثريوم، وفقًا للتشريعات المحلية المقترحة من قبل البنك المركزي الروسي.

البنك الروسي الأكبر يتبنى رسمياً تكنولوجيا البلوكشين

منذ عام 2020، بدأت المؤسسات المالية الروسية، وتحديدًا سبيربنك، بالتحول التدريجي نحو تبني البلوكشين. وقد حصل البنك في عام 2022 على ترخيص رسمي من البنك المركزي الروسي لتشغيل منصات للأصول الرقمية، مما مهّد الطريق أمام توسعات لاحقة تشمل خدمات الحفظ والتداول.

ويؤكد مسؤولو البنك أن خدمة الحفظ الرقمي الجديدة ستكون خاضعة بالكامل للرقابة المالية الروسية، وسيتم تشغيلها باستخدام تقنيات تشفير حديثة تعتمد على معايير الأمن السيبراني المعتمدة في روسيا.

منصة الحفظ ستخدم الأفراد والشركات على حد سواء

ستتيح الخدمة المرتقبة إمكانية تخزين العملات المشفرة ضمن محافظ مؤمنة بالكامل، إلى جانب تسهيلات قانونية للأغراض المؤسسية. وصرّح نائب رئيس سبيربنك بأن المنصة تستهدف في الأساس المؤسسات الكبيرة، مثل الشركات الحكومية والخاصة، لكنها ستكون متاحة أيضًا للأفراد من أصحاب المحافظ الرقمية النشطة.

ومن الجدير بالذكر أن هذه المنصة ستكون متكاملة مع البنية التقنية لمنصة سبير الرقمية الحالية، مما يسمح بسهولة نقل الأصول وتداولها داخليًا في بيئة مالية مرخصة وآمنة.

هل تأتي الخطوة كرد مباشر على العقوبات الغربية؟

في ظل العقوبات المالية المشددة المفروضة على روسيا منذ عام 2022، تسعى البلاد إلى تعزيز استقلالها المالي والتقني. ويرى العديد من المحللين أن توجه سبيربنك لإطلاق خدمات حفظ العملات الرقمية يدخل في سياق أوسع لإعادة بناء النظام المالي الوطني بعيدًا عن أنظمة التمويل الغربية التقليدية.

كما أن استخدام العملات الرقمية في المعاملات العابرة للحدود يُعد حلاً جذابًا للحد من تأثير العقوبات، وهو ما تسعى إليه السلطات الروسية ضمن استراتيجية تنويع أدوات الدفع الدولية.

استعدادات تشريعية وتنظيمية موازية

بالتوازي مع استعدادات سبيربنك التقنية، يعمل البنك المركزي الروسي على إعداد إطار تشريعي متكامل لتنظيم عمليات الحفظ والتداول الرقمية. وقد كشفت مصادر في مجلس الدوما الروسي أن مشروع قانون جديد يُدرس حاليًا لتنظيم نشاط منصات حفظ العملات المشفرة وضمان توافقها مع لوائح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتشير المسودات الأولية إلى أن خدمات الحفظ ستخضع لرقابة مصرفية مشددة، مع فرض متطلبات تسجيل وتدقيق سنوية على جميع الجهات التي تقدم هذه الخدمات داخل الاتحاد الروسي.

سبيربنك يواصل تعزيز دوره كمؤسسة مالية رقمية رائدة

منذ سنوات، يسعى سبيربنك للتحول من مؤسسة مصرفية تقليدية إلى مزود خدمات مالية رقمية متكامل. وتشمل مبادراته السابقة إطلاق منصات دفع عبر الهاتف، وتطوير خدمات الذكاء الاصطناعي، فضلًا عن استثمارات كبيرة في مجالات الأمن السيبراني وتقنيات البلوكشين.

ويُتوقع أن تشكل خدمة الحفظ الجديدة حجر زاوية إضافي في بنية البنك الرقمية، خاصةً مع تزايد اعتماد الأفراد والمؤسسات على الأصول الرقمية كأداة استثمار وحفظ قيمة.

السوق الروسية للعملات المشفرة تشهد نموًا لافتًا

بحسب تقارير رسمية صادرة عن وزارة التنمية الرقمية الروسية، يُقدّر عدد مستخدمي العملات المشفرة في البلاد بأكثر من 17 مليون مستخدم. وقد تضاعفت أحجام التداول على المنصات المحلية خلال العامين الماضيين، مما يشير إلى نمو ملحوظ في اهتمام الروس بالأصول الرقمية.

وفي هذا السياق، تسعى الجهات التنظيمية إلى ضبط إيقاع هذا النمو بما يضمن حماية المستثمرين ويدعم الابتكار ضمن أطر قانونية واضحة.

ردود فعل متباينة من خبراء الاقتصاد والتقنية

رحّب عدد من الخبراء بهذه المبادرة، معتبرين أنها تمثل تطورًا مهمًا في مسار التوطين الرقمي. ومع ذلك، أبدى بعضهم تخوفات تتعلق بإمكانية تحول الخدمة إلى أداة للرقابة المالية الواسعة، خصوصًا في ظل غياب تشريعات دقيقة تُحدد العلاقة بين المنصات والمستخدمين.

ومع ذلك، يرى محللون أن هذا التوجه يعكس رغبة الدولة الروسية في حماية سيادتها المالية الرقمية، مع تقليص الاعتماد على منصات أجنبية قد تخضع لعقوبات أو قيود خارجية.

الأهمية الاستراتيجية للخدمة على المدى الطويل

إذا ما تم تنفيذ الخدمة وفقًا للمعايير المعلنة، فقد تمثل منصة سبيربنك للحفظ الرقمي أداة استراتيجية لتعزيز الاستقلال الرقمي المالي لروسيا. كما يُمكن استخدامها لاحقًا في إطار منظومات الدفع المتكاملة داخل دول منظمة البريكس، أو في التعاملات الثنائية مع الدول التي تتبنى العملات الرقمية الرسمية (CBDCs).

ختامًا، تبدو روسيا، من خلال هذه الخطوة، عازمة على تأكيد حضورها ضمن خارطة الاقتصاد الرقمي العالمي، رغم التحديات الجيوسياسية.