مع استمرار اضطرابات الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات التضخم في العديد من الاقتصادات المتقدمة، يتزايد النقاش حول قدرة البيتكوين على أداء دور مشابه للذهب كملاذ آمن وأداة للتحوّط من فقدان القيمة. وبينما يراه البعض أصلًا رقميًا يُجسد ثورة مالية، لا يزال آخرون يشككون في استقراره كأداة مالية تحافظ على القدرة الشرائية في ظل تقلبات الأسواق.
ما هو التحوّط ضد التضخم؟ المفهوم والسياق
التحوّط ضد التضخم هو استراتيجية مالية تهدف إلى حماية الأصول من التآكل الناتج عن انخفاض القوة الشرائية للعملة الوطنية. وتُستخدم في العادة أدوات مثل الذهب، والعقارات، والأسهم في قطاعات معينة، إلا أن ظهور البيتكوين فرض نفسه كمنافس رقمي لهذه الخيارات التقليدية.
وقد ارتبطت شعبية البيتكوين خلال العقد الأخير بانخفاض الثقة في العملات الورقية، وبالرغبة المتزايدة في الاستقلال المالي وإدارة الثروة خارج المنظومة المصرفية التقليدية.
خصائص البيتكوين التي تدعم دوره التحوّطي
يمتلك البيتكوين عدة خصائص تُمكّنه نظريًا من لعب دور الحماية ضد التضخم:
-
الندرة الرقمية: عدد عملات البيتكوين محدود بـ21 مليون وحدة فقط، ما يمنحه سمة مشابهة للذهب في مقاومة التوسع النقدي.
-
اللامركزية: لا يتحكم في إصدار البيتكوين أي بنك مركزي، مما يحد من احتمالات التلاعب بالعرض.
-
الشفافية: يُمكن تتبع جميع المعاملات عبر البلوكشين، ما يُعزز الثقة العامة.
مؤشرات أداء البيتكوين خلال فترات التضخم
أظهرت الدراسات أن البيتكوين، في بعض الفترات، تحرك في اتجاه موازٍ لارتفاع أسعار المستهلك، خصوصًا في الولايات المتحدة بين عامي 2021 و2022. إذ سجلت العملة الرقمية حينها قفزات سعرية تزامنت مع تسجيل الاقتصاد الأمريكي معدلات تضخم تجاوزت 7%.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه العلاقة لم تكن ثابتة، ففي بعض الفترات اللاحقة، تراجع سعر البيتكوين رغم بقاء التضخم مرتفعًا، ما يضعف فرضية العلاقة التلقائية بين الطرفين.
آراء المؤسسات المالية
أبدت عدة مؤسسات مالية اهتمامها بالبيتكوين، معتبرة إياه أصلًا استثماريًا يمكن أن يُشكل جزءًا من محافظ التحوّط. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة MicroStrategy أنها تحتفظ بجزء كبير من احتياطاتها النقدية في شكل بيتكوين.
كما بدأت صناديق ETF الخاصة بالبيتكوين الفوري في الظهور، مما يُعزز من شرعية الأصل الرقمي في أوساط المستثمرين التقليديين.
ومع ذلك، لا يزال كبار مديري الأصول يحذرون من اعتماده الكامل كأداة تحوّط رئيسية، خاصةً بسبب تقلبه العالي ومحدودية تاريخه مقارنة بالأدوات التقليدية مثل الذهب.
الفارق بين البيتكوين والذهب كأداة تحوّط
رغم أن بعض الخصائص تُقرب البيتكوين من الذهب، إلا أن هناك فروقات جوهرية:
-
الذهب تاريخي ومستقر: يُستخدم كأداة تحوّط منذ آلاف السنين، ويتمتع بقبول عالمي واسع.
-
البيتكوين سريع التقلب: يمكن أن يخسر نسبة كبيرة من قيمته خلال فترة زمنية قصيرة، ما يجعله أقل أمانًا من منظور بعض المستثمرين.
-
قابلية الوصول: البيتكوين يُمكن تداوله عالميًا في أي وقت، على عكس الذهب الذي يحتاج إلى بنية تحتية مادية.
الوضع الحالي في الأسواق
مع استمرار ضغوط التضخم في اقتصادات مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، والأرجنتين، بدأ بعض المستثمرين في زيادة مخصصاتهم من العملات الرقمية، خاصةً البيتكوين. وقد شهدت المحافظ المؤسسية زيادة في حجم تعرضها لهذا الأصل، ضمن استراتيجيات تنويع تشمل أيضًا السلع والمعادن.
كما يُشير عدد من التقارير إلى أن البيتكوين بات يُستخدم في بعض الدول كبديل فعلي عن العملات المحلية المتدهورة، كما هو الحال في فنزويلا ونيجيريا.
البيتكوين ما بين التجربة والنضوج
في ضوء ما سبق، يُمكن القول إن البيتكوين يمتلك خصائص تؤهله للعب دور أداة تحوّط ضد التضخم، إلا أن هذا الدور لا يزال في مرحلة اختبار. فبينما يُظهر الأصل أداءً جيدًا في بعض الفترات، لا تزال التحديات المرتبطة بالتقلب، والتنظيم، والبنية التحتية، تحول دون اعتباره بديلاً تامًا عن الذهب.
ومع تطور السوق، وتزايد الوعي المالي الرقمي، قد يُصبح البيتكوين جزءًا من مزيج تحوّطي أوسع، يجمع بين التقنيات الحديثة والخبرة التاريخية، في إطار إدارة المخاطر الاقتصادية بشكل متوازن.