أعلنت شركة بلاك روك، أكبر مدير أصول في العالم، عن رؤيتها المستقبلية بشأن المخاطر التكنولوجية التي قد تؤثر على استقرار وسلامة صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة (ETFs). وجاء في بيان الإفصاح الرسمي المقدم إلى لجنة الأوراق المالية الأمريكية (SEC) أن الحوسبة الكمومية تمثل تهديدًا محتملًا لأنظمة التشفير التي تقوم عليها شبكات البلوكشين، بما في ذلك بيتكوين.
ماهي الحوسبة الكمومية ولماذا تُشكل خطرًا؟
على عكس الحوسبة التقليدية، التي تعتمد على البتات الثنائية (0 و1)، تعتمد الحوسبة الكمومية على “الكيوبتات” التي تتيح التواجد في حالات متعددة في آنٍ واحد. هذه القدرة تُمكّن الحواسيب الكمومية من تنفيذ عمليات حسابية بالغة التعقيد بسرعة هائلة.
وقد نبّهت بلاك روك إلى أن هذه القدرة، إذا ما استُخدمت بشكل ضار، قد تُمكّن جهات معينة من كسر مفاتيح التشفير الخاصة بالمحافظ الرقمية، مما يُعرض أصول البيتكوين المخزنة داخل صناديق الاستثمار لمخاطر الاختراق أو التلاعب.
الإفصاح التنظيمي: خطوة نحو الشفافية
ضمن مستندات الإفصاح المحدثة التي قُدمت إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، خصّت بلاك روك فقرة تناولت بالتحديد “المخاطر المتعلقة بالحوسبة الكمومية”. وقد ورد فيها أن “الاختراقات التكنولوجية مثل تطوير الحوسبة الكمومية قد تُضعف أُسس التشفير المعتمدة في شبكة البيتكوين”.
يُعد هذا النوع من الإفصاح عنصرًا جوهريًا في عملية ترخيص صناديق الاستثمار، حيث يتعين على الجهات المصدرة التحذير من المخاطر التي قد تؤثر على أداء الأصل الأساسي أو سلامته الأمنية.
تأثير ذلك على المستثمرين والمؤسسات المالية
يأتي هذا التحذير في وقت تستمر فيه المؤسسات المالية الكبرى بإظهار اهتمام متزايد بصناديق البيتكوين المتداولة. ومع ذلك، فإن هذا الإفصاح قد يدفع بعض المستثمرين، خاصةً المؤسسيين منهم، إلى إعادة تقييم مخاطر الاستثمار طويلة الأجل في هذه المنتجات.
ويشير الخبراء إلى أن وجود خطر محتمل لا يعني بالضرورة عزوفًا جماعيًا عن الاستثمار، بل يستوجب تعزيز إجراءات الحماية وتطوير حلول مقاومة للحوسبة الكمومية (quantum-resistant).
كيف يمكن مقاومة الحوسبة الكمومية؟
بدأت بعض مجتمعات تطوير البلوكشين في السنوات الأخيرة بالعمل على بروتوكولات تشفير مقاومة للحوسبة الكمومية. تشمل هذه الجهود استخدام خوارزميات جديدة مثل التشفير الشبكي (lattice-based cryptography) والتشفير بالرموز (code-based cryptography).
ورغم أن هذه الحلول ما تزال في مراحل الاختبار، إلا أن اعتمادها مستقبلًا قد يُشكّل خط دفاع قويًا ضد التهديدات الكمومية. من جهة أخرى، تتطلب هذه التحديثات توافقًا جماعيًا ضمن شبكات البلوكشين، ما يجعل تنفيذها أكثر تعقيدًا.
هل هناك تهديد وشيك؟
أشار العديد من الخبراء إلى أن الحوسبة الكمومية، رغم كونها متقدمة نظريًا، لم تصل بعد إلى مرحلة النضج التي تُمكّنها من كسر التشفير المعتمد حاليًا. ومع ذلك، فإن التقدم السريع في هذا المجال قد يُقرب هذا التهديد أكثر مما يُتوقع.
ويبدو أن بلاك روك لا تتوقع تهديدًا فوريًا، لكنها تعتبر الحوسبة الكمومية “مخاطرة مستقبلية” يجب التنبيه إليها من الآن ضمن سياستها الشفافة تجاه مستثمريها.
الرسائل التنظيمية وراء هذا الإفصاح
يحمل هذا التحذير بُعدًا آخر يتعلق بالعلاقة المتنامية بين صناعة العملات الرقمية والهيئات التنظيمية. إذ يشير إلى أن صناديق الاستثمار المرتبطة بالبيتكوين لم تعد هامشية، بل باتت تُعامل كأصول منظمة تتطلب تحليلاً دقيقًا وتقييمًا شفافًا للمخاطر.
ويعكس هذا الإفصاح التزام بلاك روك بالامتثال التام لمعايير الشفافية المالية، مما يُعزز ثقة الجهات الرقابية والمستثمرين في جدية الشركة في التعامل مع قطاع العملات المشفرة.
الحوسبة الكمومية تفتح جدلاً جديدًا حول أمن العملات الرقمية
رغم أن التهديد الذي تمثله الحوسبة الكمومية ما يزال بعيدًا نسبيًا، إلا أن إدراجه ضمن الإفصاحات المالية لشركات رائدة مثل بلاك روك يُعد خطوة فارقة. فهو يُبرز أهمية التفكير المسبق في التحديات التقنية التي قد تُهدد البنية التحتية للعملات المشفرة.
ومع استمرار تطور الحوسبة الكمومية، يُتوقع أن تشهد السنوات المقبلة تحركات أكبر نحو حماية شبكات البلوكشين، سواء عبر التحديثات البرمجية أو اللوائح التنظيمية.