هونغ كونغ تطلق المرحلة الحاسمة من مشروع “إي-دولار”: العالم يترقب تحولًا نقديًا جذريًا
مرحلة جديدة من التحول الرقمي للعملة الوطنية في هونغ كونغ
دخلت هونغ كونغ رسميًا المرحلة الثانية من برنامج عملتها الرقمية للبنك المركزي، المعروف باسم “إي-دولار” (e-HKD). تمثل هذه الخطوة تحولًا حاسمًا في رحلة المدينة نحو رقمنة اقتصادها النقدي. ويأتي الإعلان في ظل جهود متواصلة من حكومة هونغ كونغ لتعزيز الابتكار المالي وتعميق مكانة المدينة كمركز مالي عالمي متقدم.
تعتبر هذه المرحلة الجديدة من برنامج e-HKD جزءًا من “استراتيجية ثلاثية المراحل”. وقد بدأت المرحلة الأولى في عام 2022 كمجرد مرحلة استكشافية. أما الآن، فقد تحوّل المشروع إلى نموذج أكثر نضجًا، حيث تخضع التكنولوجيا والبنية التحتية لاختبارات موسّعة على أرض الواقع.
المرحلة الثانية: اختبار واقعي لمستقبل النقد
وفقًا لتصريحات هيئة النقد في هونغ كونغ (HKMA)، تشمل المرحلة الثانية من البرنامج إجراء اختبارات تفصيلية في بيئات شبه حقيقية. هذه الاختبارات تتضمن التعامل مع حالات استخدام محددة مثل:
-
المدفوعات بدون إنترنت
-
المدفوعات بين الأفراد (P2P)
-
التحويلات العابرة للحدود
-
المدفوعات القابلة للبرمجة
وقد تم تنفيذ المرحلة الأولى عبر 16 مؤسسة محلية ودولية، بما في ذلك البنوك والشركات التقنية. ومن المقرر أن تتوسع التجربة في المرحلة الثانية لتشمل مؤسسات إضافية، ما يساهم في بناء بيئة اختبار أكثر واقعية وتنوعًا.
ما أهمية هذا التطور على الساحة المالية الدولية؟
تأتي هذه الخطوة في وقت حساس تمر فيه العملات الرقمية للبنوك المركزية بمرحلة إعادة تعريف شاملة لدور العملة الورقية التقليدية. هونغ كونغ، من خلال مشروع e-HKD، تسعى إلى البقاء في طليعة هذا التحول العالمي. فمع تزايد اهتمام الحكومات بتقنيات CBDC، تعتبر هونغ كونغ واحدة من أبرز النماذج التي توازن بين الابتكار والتنظيم المالي.
وبالرغم من أن e-HKD لا تزال قيد التجربة، فإن البنية التحتية الرقمية التي تطورها هيئة النقد تضع أسسًا صلبة لعمليات نقدية أكثر كفاءة، أمانًا، ومرونة. ويؤكد الخبراء أن هذه المبادرات قد تسهم مستقبلاً في ربط الأنظمة المالية بين دول آسيا بطريقة أكثر سلاسة.
طموحات دولية.. وليس فقط محلية
صرّح إيدي يو، الرئيس التنفيذي لهيئة النقد في هونغ كونغ، بأن هناك رغبة واضحة في جعل e-HKD نموذجًا يُحتذى به على مستوى العالم. كما أشار إلى أن استخدام e-HKD قد يمتد في المستقبل ليشمل العمليات الدولية، خاصةً في إطار شبكة “mBridge” التي تسعى إلى ربط العملات الرقمية للبنوك المركزية في عدة دول آسيوية.
وأضاف يو: “نتعامل مع هذا المشروع بمنتهى الجدية. فهو لا يقتصر على تجارب تقنية فقط، بل يمهد الطريق نحو بنية مالية رقمية متكاملة.”
تحديات قائمة ولكن الطموح أكبر
رغم الزخم الذي يشهده المشروع، إلا أن الطريق لا يخلو من التحديات. فاعتماد عملة رقمية على نطاق واسع يتطلب تغييرات قانونية، بنى تحتية آمنة، ودرجة عالية من قبول الجمهور.
إضافة إلى ذلك، فإن مسألة خصوصية البيانات تثير تساؤلات كثيرة. كيف سيتم التوازن بين الشفافية المالية وحماية خصوصية المستخدمين؟ هيئة النقد أكدت أن هذه الجوانب تخضع لدراسة متعمقة، وأنها تأخذ أبعاد الأمان والخصوصية على محمل الجد.
كيف تستعد البنوك والشركات التقنية للمستقبل؟
تقوم العديد من المؤسسات المصرفية في هونغ كونغ بتطوير نماذج أولية تسمح بدمج e-HKD في تطبيقاتها المصرفية. كذلك تعمل شركات التكنولوجيا المالية على تقديم حلول دفع مبتكرة تتكامل مع هذا النموذج الجديد.
ومن بين أبرز الابتكارات التي ظهرت حتى الآن، تطبيقات تتيح للمستخدمين إجراء مدفوعات حتى في حال انقطاع الإنترنت، بالإضافة إلى حلول دفع مؤتمتة تستخدم العقود الذكية.
أثر مباشر على المستخدم النهائي
إن الهدف الأسمى من المشروع، كما تؤكد الجهات الرسمية، هو خدمة المواطن العادي. فبفضل e-HKD، قد تصبح عمليات الدفع اليومي أكثر سهولة، دون الحاجة لحمل نقود ورقية أو بطاقات ائتمان.
كذلك، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة قد تستفيد من رسوم تحويل أقل، ومدفوعات أسرع، ونظام أكثر شفافية. هذا بدوره يعزز من تنافسية الاقتصاد المحلي ويعطي دفعة قوية لنمو القطاع الخاص.
التكامل الإقليمي والدولي: الفرصة الكبرى
المثير في مشروع e-HKD أنه لا يقتصر على هونغ كونغ وحدها. فالتقارير تشير إلى اهتمام الصين، الإمارات، وتايلاند بمبادرات مماثلة. وهذا يعني أن المستقبل قد يشهد إنشاء شبكات دفع رقمية تربط هذه الدول، ما يسهل التحويلات العابرة للحدود ويقلل من الاعتماد على الدولار الأمريكي.
كما أن استخدام التكنولوجيا القائمة على العقود الذكية قد يسمح بتنفيذ مدفوعات مشروطة وآلية بين الشركات في مختلف الدول، دون الحاجة لوسطاء.
ماذا بعد المرحلة الثانية؟
من المتوقع أن تستمر المرحلة الثانية حتى نهاية عام 2025، على أن تعقبها مرحلة تقييم شاملة. وفي حال تم التحقق من الفعالية والجاهزية، فقد تبدأ هونغ كونغ في اعتماد e-HKD على نطاق واسع مطلع عام 2026.
وسيكون هذا الإعلان بمثابة بداية عصر جديد في السياسات النقدية للمدينة، ويجعل منها أول مدينة مالية عالمية تطبق نموذج CBDC بشكل شامل وآمن.
خلاصة: حقبة مالية جديدة تطرق الأبواب
يمثل دخول هونغ كونغ في المرحلة الثانية من مشروع e-HKD خطوة استراتيجية نحو مستقبل لا يعتمد على الأوراق النقدية، بل على منظومة رقمية متكاملة. هذا التحول لا يقتصر على الجانب التقني فقط، بل يحمل في طياته أبعادًا اقتصادية، سياسية، وحتى جيوستراتيجية.
وبينما تتابع الأنظار الدولية تطورات هذا المشروع عن كثب، يظل نجاحه مرهونًا بقدرة هونغ كونغ على التوازن بين الابتكار والتنظيم، وبين الطموح والواقعية.