في دلالة واضحة على النمو المتسارع لاقتصاد الأصول الرقمية في آسيا الوسطى، أعلنت الجهات التنظيمية في كازاخستان عن ارتفاع ملحوظ في حجم تداول العملات المشفرة، والذي بلغ 1.4 مليار دولار أمريكي خلال الربع الأول من عام 2025. وتأتي هذه القفزة وسط بيئة تنظيمية تتسم بالتقدم، والتكامل المؤسسي، وتفعيل المنظومة التشريعية المتعلقة بالتكنولوجيا المالية.
بيانات رسمية من مركز أستانا المالي الدولي
أوضح مركز أستانا المالي الدولي (AIFC) في بيانه الأخير أن منصات التداول المرخصة والعاملة ضمن البيئة التنظيمية الخاصة للمركز ساهمت بشكل رئيسي في هذا النمو. حيث بلغ حجم التداول في شهر مارس فقط ما يقارب 740 مليون دولار، أي أكثر من نصف إجمالي الربع.
وأكد المركز أن هذه الأرقام تُعد الأعلى منذ اعتماد اللوائح الرقمية في كازاخستان، وهي نتيجة مباشرة لاستراتيجية الدولة الرامية إلى تحويل البلاد إلى مركز إقليمي للأصول الرقمية.
تطور بيئة الامتثال والتنظيم
شهدت كازاخستان خلال العامين الماضيين تحديثات متسارعة في أطرها التنظيمية المرتبطة بالأصول المشفرة. حيث أطلقت السلطات نظام ترخيص جديد خاص بمنصات التداول، كما تم تعزيز آليات الامتثال في ما يخص مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويتم العمل حاليًا على تطوير منظومة تسجيل رقمية للمحافظ والعملات، تُربط ببيانات مستخدمين خاضعين للتحقق، وذلك بالتنسيق مع هيئة الضرائب الوطنية والبنك المركزي.
شركات كبرى تسهم في النمو
أشارت البيانات إلى أن معظم حجم التداول في كازاخستان تم عبر منصات معروفة عالميًا تعمل داخل نطاق قانوني محلي. ومن بين هذه المنصات، منصة “Intebix” التابعة لشركة Biteeu، والتي تُعتبر أول مزود خدمات أصول رقمية مُرخّص بالكامل داخل مركز أستانا المالي.
كما أسهمت شركات محلية وعالمية أخرى في رفع حجم التداول، مستفيدة من الحوافز الضريبية، والبنية التحتية الحديثة، والدعم الحكومي للمبادرات الرقمية.
التوجه نحو رقمنة الاقتصاد
أعلنت الحكومة الكازاخية مؤخرًا عن خارطة طريق وطنية تهدف إلى دمج تقنيات البلوكشين في القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والطاقة. كما يتم دراسة إمكانية إطلاق عملة رقمية للبنك المركزي (CBDC) تُستخدم في المدفوعات الحكومية والخاصة.
هذه الخطوات تُعزز مكانة كازاخستان في قائمة الدول الطامحة إلى تحقيق سيادة رقمية، وتقديم نموذج قابل للتكرار في الدول النامية والناشئة.
الأبعاد الإقليمية والدولية
يتزامن هذا النمو المحلي مع توجه إقليمي أوسع، حيث تسعى دول آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان وقيرغيزستان، إلى تطوير أطر قانونية تسمح بتبني العملات المشفرة بشكل منظم.
وعلى المستوى الدولي، أبدت عدة مؤسسات مالية اهتمامها بالتجربة الكازاخية، لا سيما في ما يتعلق بموازنة الابتكار مع الامتثال، وهو ما يُعد تحديًا مشتركًا بين الدول في المرحلة الحالية.
ردود الفعل من القطاع الخاص
عبّر عدد من رواد الأعمال المحليين والعالميين عن تفاؤلهم إزاء النمو المسجل في سوق الأصول الرقمية في كازاخستان، معتبرين أنه يعكس نضجًا في البنية القانونية والإدارية.
كما أشاروا إلى أهمية استمرار الدعم الحكومي وتوفير بنية تحتية تقنية متطورة، لضمان استدامة النمو، وحماية المستثمرين، وتحقيق الشفافية في التعاملات.
كازاخستان تُعزز مكانتها كمركز إقليمي للأصول الرقمية
تؤكد المؤشرات الأخيرة أن كازاخستان تسير بخطى واثقة نحو التحول إلى واحدة من أبرز البيئات التنظيمية الجاذبة لصناعة العملات المشفرة. وبينما تسعى الدول الكبرى لتنظيم هذا القطاع الحيوي، تقدم كازاخستان نموذجًا متقدمًا في التكامل بين التطوير المؤسسي، والرقمنة، والامتثال القانوني.
وتُظهر الأرقام أن تحقيق التوازن بين الابتكار والرقابة ليس مستحيلاً، بل هو قابل للتنفيذ حين تتوفر الإرادة السياسية، والكفاءة التقنية، والإدارة الذكية للفرص.