قمة “بروف أوف توك 2025”: العقول الاقتصادية تجتمع لصياغة مستقبل العملات الرقمية والتمويل العالمي
قادة العالم الرقمي يناقشون الأصول الواقعية والعملات المستقرة في باريس
شهدت العاصمة الفرنسية باريس حدثًا اقتصاديًا عالميًا استثنائيًا هذا الأسبوع، تمثل في انعقاد قمة “بروف أوف توك 2025″، التي جمعت كبار المسؤولين التنفيذيين، والمستثمرين الدوليين، وصنّاع السياسات، وخبراء التقنية المالية، لمناقشة التحولات الكبرى في عالم الأصول الرقمية، وعلى رأسها الأصول الواقعية “RWA”، والعملات المستقرة، والطرح العام الأولي لشركات الكريبتو.
باريس تستضيف نخبة من قادة التكنولوجيا والتمويل تحت سقف واحد
نُظّمت الفعالية داخل مقر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية “OECD”، الذي يعد من أبرز المراكز الدبلوماسية العالمية. وقد جمع الحدث أكثر من 2,500 مشارك من أكثر من 80 دولة، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية التي باتت تحتلها العملات الرقمية في المعادلات الجيو-اقتصادية الدولية.
تحدث خلال القمة نخبة من الشخصيات المؤثرة، من بينهم جان نوليت الرئيس التنفيذي لشركة تشين لينك، وراي يوسف المؤسس المشارك لمنصة باكسفل، وجوليان لينغر مؤسس منصة لينغو.
الأصول الواقعية: الجسر بين الاقتصاد التقليدي والعملات الرقمية
تركز النقاش بشكل أساسي على الأصول الواقعية “Real World Assets”، وهي تمثيلات رقمية لأصول مادية مثل العقارات، والمعادن الثمينة، والسندات الحكومية. وقد اعتُبر هذا الاتجاه بمثابة القناة الأقرب لربط النظام المالي التقليدي بالبنية التحتية لسلاسل الكتل (Blockchain).
أكد الخبراء أن هذه الأصول تمهد الطريق أمام دخول رأس المال المؤسساتي إلى قطاع العملات المشفرة، وتفتح آفاقًا جديدة للمستثمرين الأفراد والمؤسسات على حد سواء. كما تم الإشادة بتقنية توكن الأصول، والتي تجعل من الممكن تداول الأصول التقليدية عبر منصات لامركزية بكل شفافية.
العملات المستقرة: عامل الاستقرار في عالم يتقلب
أجمعت جلسات النقاش على أن العملات المستقرة – وخصوصًا تلك المدعومة بالدولار الأمريكي أو الأصول الملموسة – تمثل ركيزة أساسية في النظام المالي الرقمي. وقد تم عرض نماذج حديثة لإصدارات جديدة من العملات المستقرة تُستخدم الآن في إفريقيا، وأمريكا الجنوبية، والمناطق النامية كوسيلة لحماية القوة الشرائية في بيئات اقتصادية متقلبة.
وتم تسليط الضوء على تجارب دول مثل نيجيريا والبرازيل، حيث أثبتت العملات المستقرة قدرتها على تسهيل التحويلات المالية، وتقليل التكاليف البنكية، وكسر الاحتكار المالي التقليدي.
الطرح العام الأولي لشركات الكريبتو: واقع جديد للأسواق العالمية
من أبرز القضايا التي استحوذت على اهتمام المشاركين، هي الاستعدادات للطرح العام الأولي لشركات العملات الرقمية، وخاصة بعد إعلان منصة “كوين بيس” نيتها التوسع دوليًا. وتحدث محللون عن التحديات القانونية والتنظيمية التي تواجه مثل هذه الطروحات، خاصة في ظل غياب إطار عالمي موحد لتنظيم الأصول الرقمية.
مع ذلك، شهدت القمة إشارات قوية إلى تغييرات محتملة في قوانين الأسواق المالية الأوروبية والأمريكية، ما قد يفتح الباب أمام موجة من الاكتتابات لشركات الكريبتو خلال عامي 2025 و2026.
التكنولوجيا المالية في خدمة السيادة الرقمية
أحد أبرز المحاور كان التطرق إلى دور Web3 في تعزيز مفاهيم السيادة الرقمية وتمكين المستخدمين. وتحدث المشاركون عن مستقبل يمكن فيه للأفراد التحكم الكامل في بياناتهم وهويتهم الرقمية، بفضل حلول قائمة على البلوك تشين، وبدون الحاجة لوسطاء مركزيين.
وتم استعراض تطبيقات واعدة في مجال التعليم الرقمي، والرعاية الصحية، وإثبات الهوية، باستخدام العقود الذكية والمحافظ الذاتية الحفظ (Self-Custody Wallets)، مما يعزز من كفاءة الأنظمة الحكومية والخدمات العامة.
التوافق التنظيمي الدولي: الهدف المشترك للأطراف كافة
في ظل توسّع سوق العملات المشفرة إلى ما يتجاوز 3 تريليونات دولار، بات من الضروري وجود تنسيق دولي بين الجهات التنظيمية. وقد دعت القمة إلى تشكيل لجان دائمة مشتركة بين البنوك المركزية، وهيئات الأوراق المالية، ومنصات التداول، لضمان حماية المستخدمين، ومنع غسل الأموال، وتعزيز الشفافية.
وشدد بعض الخبراء على أن غياب اللوائح الموحّدة يمثل العائق الأكبر أمام تطور القطاع، حيث تختلف قوانين الأصول الرقمية من دولة لأخرى، ما يعيق التكامل الاقتصادي والتقني العالمي.
صوت المستخدم النهائي: الكريبتو في خدمة الإنسان
خُتمت القمة بنداء واضح: يجب أن تبقى الابتكارات المالية خادمة للمجتمع، لا أداة احتكار بين أيدي شركات كبرى. وتم تسليط الضوء على أهمية التمكين الاقتصادي للمجتمعات المهمّشة، من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات المالية، وفتح أبواب الاستثمار حتى للمستخدمين الذين لا يملكون حسابات مصرفية تقليدية.
وفي هذا السياق، تم الإشادة بتجارب مشاريع كريبتو اجتماعية نجحت في توفير التمويل الجماعي للمزارعين، ودعم اللاجئين، وتعليم الأطفال في مناطق النزاع، عبر حلول قائمة على Web3 والعملات الرقمية المستقرة.
باريس ترسل إشارة إلى العالم: الاقتصاد الرقمي ليس مستقبلاً بل واقعًا
مع اختتام فعاليات قمة “Proof of Talk 2025″، بدا جليًا أن باريس – كمركز مالي وثقافي – قدّمت للعالم رسالة واضحة: العصر القادم سيكون رقميًا، لامركزيًا، وأكثر إنصافًا. ومع تلاقي العقول التقنية مع صناع القرار والمؤسسات الحكومية، تتشكل معالم نظام مالي عالمي جديد.
ومع تزايد الاهتمام الدولي بتنظيم العملات المشفرة، تبقى الحاجة ماسّة لتعاون شامل، يوازن بين الابتكار والرقابة، ويضمن مستقبلًا ماليًا مستدامًا، يخدم الإنسان أولًا وأخيرًا