في خطوة تنظيمية جديدة تعكس التوجهات العالمية نحو تعزيز الرقابة على قطاع العملات الرقمية، أعلنت سلطة النقد في سنغافورة (MAS) عن موعد نهائي حاسم لجميع مشغلي خدمات الأصول الرقمية غير المرخصين. وحددت السلطات المختصة تاريخ 30 يونيو 2025 كآخر مهلة قانونية لتقديم طلبات الترخيص الرسمية، أو مواجهة تداعيات قانونية قد تصل إلى الإيقاف الكامل للأنشطة التشغيلية داخل البلاد.
إطار تنظيمي صارم لضمان الامتثال الكامل
تهدف الخطوة الأخيرة من قبل الجهات التنظيمية في سنغافورة إلى تعزيز الشفافية والامتثال في سوق العملات الرقمية سريع النمو. وأوضحت MAS أن جميع الشركات العاملة في قطاع الخدمات الرقمية التي لم تحصل بعد على ترخيص رسمي يجب عليها تقديم طلباتها قبل الموعد المحدد، لضمان استمرار عملياتها ضمن الإطار القانوني.
وقد بدأت MAS تنفيذ أحكام “قانون خدمات الدفع” (Payment Services Act) منذ عام 2020، والذي يُعد الإطار القانوني الرئيسي المنظم للأنشطة المتعلقة بالمدفوعات والعملات الرقمية. رغم ذلك، فإن الكثير من الشركات كانت تزاول نشاطها وفق نظام “الإعفاء المؤقت”، وهو ما لم يعد مقبولًا بعد هذا الموعد النهائي الجديد.
التحذير من العقوبات ضد المخالفين
أكدت MAS في بيان رسمي أن الشركات التي تتجاهل المهلة المحددة ستُعتبر خارجة عن الإطار التنظيمي، مما يجعلها عرضة للعقوبات والإجراءات القانونية. وتشمل هذه الإجراءات الإلزام الفوري بالتوقف عن تقديم أي خدمات مالية رقمية، إضافة إلى احتمال فرض غرامات مالية أو إدراجها ضمن القوائم السوداء التنظيمية.
كما شددت السلطات على أن الامتثال لمتطلبات الترخيص لا يقتصر فقط على تقديم الطلب، بل يتطلب أيضًا التحقق من تطبيق معايير صارمة تشمل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة إلى تدابير أمنية رقمية متقدمة لضمان حماية أموال العملاء.
الممارسات المؤقتة لن تكون مقبولة بعد الآن
في السنوات الأخيرة، سمحت MAS لبعض الشركات بالعمل مؤقتًا تحت بند “الإعفاء الانتقالي” لحين استكمال المتطلبات التنظيمية. غير أن هذه المرحلة المؤقتة في طريقها إلى الانتهاء، وذلك مع اعتماد إطار تنظيمي أكثر دقة وشمولية. ويشير هذا التوجه إلى نية الجهات المعنية بتقنين بيئة العمل الرقمي وإزالة الجهات غير المؤهلة من السوق.
هذا الإجراء يعكس تغيرًا نوعيًا في استراتيجية سنغافورة نحو تعزيز بيئة استثمارية آمنة وقانونية، بعيدًا عن العشوائية والعمليات الرمادية التي تنتشر غالبًا في الأسواق غير المنظمة.
تحفيز الابتكار من خلال التنظيم
بالرغم من النهج التنظيمي الصارم، تؤكد سنغافورة على أنها ما تزال مركزًا عالميًا للابتكار المالي والتقني. وترى MAS أن التنظيم الصارم لا يعني بالضرورة إعاقة الابتكار، بل هو ركيزة أساسية لبناء ثقة المستخدمين والمستثمرين على حد سواء.
كما تسعى البلاد إلى استقطاب الشركات التي تلتزم بالمعايير الدولية في الشفافية وحماية المستخدم. وصرّحت MAS بأن سوق العملات الرقمية يملك إمكانات هائلة، لكن لا يمكن تحقيقها ما لم يكن هناك التزام كامل بالإطار التنظيمي والضوابط القانونية.
إشارات عالمية وتناغم تنظيمي دولي
يأتي القرار الأخير من سنغافورة في وقت يشهد العالم فيه موجة متسارعة من التشريعات المرتبطة بالعملات الرقمية. إذ أطلقت عدة دول، مثل المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة، برامج ترخيص مشابهة لمراقبة نشاط الأصول الرقمية ومنع استخدامها في جرائم مالية.
وهذا يعكس تحركًا عالميًا نحو توحيد معايير تنظيم هذا القطاع، بالتعاون بين البنوك المركزية، وهيئات السوق، ومراكز الامتثال المالي. ومن الواضح أن سنغافورة تسعى لتكون في طليعة هذه الجهود من خلال فرض معايير استباقية تضمن السيطرة على المخاطر الناشئة.
أهمية التاريخ المحدد والجاهزية المؤسسية
حددت MAS يوم 30 يونيو 2025 كموعد نهائي لا يمكن التهاون فيه. ودعت جميع الشركات إلى استغلال ما تبقى من الوقت في استكمال الوثائق والضوابط الفنية، وتقديم الطلبات قبل فوات الأوان.
ولفتت السلطات إلى أن قبول الطلبات لا يعني بالضرورة الموافقة الفورية، إذ ستخضع كل شركة لمراجعة دقيقة تتضمن فحصًا دقيقًا للإجراءات الداخلية، وبنية الحوكمة، ونظام إدارة المخاطر، وسجل العمليات السابقة.
ختامًا: خطوة حاسمة على طريق تنظيم الأسواق الرقمية
تعتبر المهلة الجديدة التي حددتها MAS مؤشرًا قويًا على التغير الجذري في سياسات الدول تجاه العملات الرقمية. فبينما تتيح هذه العملات فرصًا اقتصادية واسعة، إلا أن مخاطرها التنظيمية تتطلب رقابة صارمة.
ولذلك، فإن التزام المشغلين الرقميين في سنغافورة بالموعد النهائي المحدد سيكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى جاهزيتهم للعمل ضمن أطر قانونية رسمية، مما قد يحدد مصيرهم المهني في السوق