إنّ العملات المستقرّة تتقدّمت، وتخطّت حواجز البطاقة التقليدية. ولذلك، تتزايد الجهود لاعتمادها رسميًا. ومن ثم، فإنّ المشهد المالي يواجه تحوّلًا جذريًا. ورغم التحديات، يبدو أنَّ اللحظة ناضجة للتحوّل. فما التفاصيل؟ وما مستقبل الدفع الرقمي؟
العملات المستقرّة تتفوّق في الحجم على بطاقات الائتمان
شهد عام 2024 تفوّقًا رمزيًا للمعاملات بواسطة العملات المستقرّة على فيزا. وهذا الإنجاز شكل علامة فارقة في قدرة العملات الرقميّة على منافسة البنى التقليدية . وفي هذا السياق، تعتبر هذه العملات الأكثر سرعةً وأقلّ كلفةً، مما يجعلها خيارًا جذابًا للتجار والمستخدمين على حد سواء.
التشريعات الحديثة تهيّئ الطريق لاعتماد مؤسّسي
مع صدور إطار تنظيمي شامل مثل MiCA في الاتحاد الأوروبي ومشروع “Genius Act” المقترح في الولايات المتحدة، دخلت العملات المستقرّة مرحلة جديدة. وقد اعتمد مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون بالـ17 من يونيو2025، ضمن خطوة مهمة لدعم نمو القطاع واستقراره . ويُتوقّع أن يسهم هذا القانون في تقليل المخاوف التنظيمية، وتحفيز تدفّق الأصول مثل أذون الخزانة لدعم الاحتياطيات.
مزايا الاستخدام — السرعة والفعالية والتكلفة المنخفضة
يفضّل مستخدمو العملات المستقرّة استخدامها بعدّة أسباب منها:
-
القابلية للتحويل وسهولة الوصول.
-
تقليل الرسوم بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بالبطاقات التقليدية .
-
الخدمات المتاحة عبر منصات كبرى مثل أمازون وولمارت.
وبالتالي فإن هذه المزايا تشجع قبولها أوسع في السوق العالمي.
تحديات أمام الانتقال الكامل
رغم ذلك، هناك تحديات أساسية:
-
حماية المستهلك: بطاقات الائتمان تتمتع بحماية مثل استرداد المبالغ عند حدوث خلط أو سرقة. بينما تحتاج العملات المستقرّة بنى وضوابط مماثلة.
-
الاحتياطيات الشفافة: يجب على مصادر العملات الاستقرار أن تكون مدعومة بنسبة 1:1 بأصول شفافة مثل الخزانة الأمريكية وتُدقّق سنويًا .
-
بنية الدفع: الربط بسلاسل الكتل يحتاج لدمج سلس في الأنظمة البنكية وحلول الدفع التقليدية، قبل أن تفلح في عملية استبدال البطاقة .
التعاون بين القطاعين التقليدي والرقمي
لا تعمل البنية التقليدية للبنوك وبطاقات الائتمان على تهميش العملات المستقرّة. بل على العكس، فهي تتكيّف:
-
مثل شركة ماستركارد التي أدرجت عملة FIUSD من فيزرف في برنامجها العالمي .
-
كما أنّ فيزا وماستركارد تقدّمان بطاقات مرتبطة بالعملات المستقرّة لتسهيل الاستخدام دون تغيير شامل في البنية.
وهكذا، تُسخّر البنى التقليدية لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة، بدلًا من مواجهتها.
مبادرات الشركات الكبرى الرائدة
تدرس شركات مثل أمازون وولمارت إصدار عملاتها المستقرّة الخاصة. ولديها القدرة على خفض الرسوم بصورة كبيرة لشبكاتها التوسعية الخاصة . غير أنها تواجه تحديًا رئيسيًا: كيف يمكن أن تُخلى مكانها عن أنظمة الجوائز، المكافآت، والاعتمادات الائتمانية التي تربطها بـبطاقاتها الحالية.
تداعيات خفض استخدام الدولار النقدي
من التبعات الاقتصادية، زيادة الطلب على الخزانة الأمريكية. إذ إنّ العملات المستقرّة يجب أن تدعم احتياطاتها بأسهم في الدين الحكومي، مع احتمال رفع تقلبات الأسواق عند سعر الفائدة . كما أن الانهيار المحتمل في اعتماد مثل هذه العملات قد يؤدي إلى تداعيات في السوق المالي.
توصيات المؤسسات المالية الدولية
حذرت المؤسسات كـBIS من مخاطرة انتشار العملات المستقرّة دون تنظيم، ومنها:
-
التأثير السلبي على السيطرة النقدية للدول الناشئة.
-
زيادة احتمال عمليات غسل الأموال بسبب سهولة التحويلات.
بالتالي، تُوصي BIS بالمضي بحذر نحو أنظمة مركزية ممولة من المصارف المركزية.
الآفاق المستقبلية
إزاء ما سبق، يمكننا توقع:
-
استمرارية نمو الاعتماد المؤسسي والرقمي.
-
زيادة تدفق الأصول الحكومية إلى السوق.
-
انتشار بطاقات وهويات مالية هجينة تمزج بين الكلاسيكي والرقمي.
ومن المرجّح أن يستغرق الانتقال الكامل سنوات. إذ يحتاج لتكامل تقني وتنظيمي ممنهج ومتدرّج. بناءً على ما ورد، فإن العملات المستقرّة دخلت منعطفًا حاسمًا. ومع توفّر البنية التشريعية، والأطر التنظيمية، وتوقيع اتفاقيات شراكة بين الطرفين التقليدي والرقمي، يمكننا القول إنّ: لا شيء يعيق الحراك، بل العائق كان التنظيم، والآن أصبح ممهّدًا بوضوح. وعليه، نرحب بمرحلة جديدة من الدفع المالي، بمعزل عن البطاقة، ولكن جنبًا إلى جنب معها. الأفق طويل والحلم المالي الرقمي بات أقرب مما نظن.