في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والتنظيمية في الولايات المتحدة، ظهرت عملة رقمية جديدة من نوع “ميم كوين” تُعرف باسم “Trump Coin”، يُزعم ارتباطها بصورة أو اسم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وبينما لم يتم تأكيد ارتباط مباشر بين ترامب والمشروع، إلا أن الضجة الإعلامية التي صاحبت إطلاق العملة أعادت إلى الواجهة نقاشات حادة حول استخدام الأصول الرقمية في التأثير السياسي.
ما هي “Trump Coin”؟
تُصنّف Trump Coin ضمن العملات الرقمية من نوع “ميم كوين”، وهي أصول رقمية تُطلق عادةً بغرض المزاح أو الدعاية، لكنها غالبًا ما تجذب مضاربين وتسجّل ارتفاعات سعرية سريعة. وقد شهدت هذه العملة، منذ الإعلان عنها عبر منصات التواصل الاجتماعي، ارتفاعًا سريعًا في حجم التداول، مدفوعًا باسم ترامب وتأثيره القوي في أوساط اليمين الأمريكي.
ومع غياب جهة رسمية تعلن مسؤوليتها عن المشروع، برزت تساؤلات جدية حول أهداف الإطلاق والجهات المستفيدة منه.
ارتفاع غير مبرر في القيمة السوقية
تشير بيانات التداول إلى أن Trump Coin سجّلت خلال ساعات قليلة من إطلاقها قفزات سعرية فاقت 300%، مدفوعة بموجة مضاربات إلكترونية. وقد تركز التداول في منصات لا مركزية، ما يُصعّب من تتبع مصدر الأموال أو هويات المستثمرين.
ويرى خبراء أن هذا النمط من التداول يُشبه إلى حد كبير الحملات المنظمة التي تستهدف التلاعب بالأسواق، خصوصًا عندما يتزامن مع أحداث سياسية أو حملات انتخابية.
مخاوف من استغلال سياسي للعملات الرقمية
أثار هذا التطور قلق عدد من أعضاء الكونغرس، الذين عبّروا عن خشيتهم من استخدام العملات الرقمية كأدوات دعائية غير رسمية لحملات انتخابية، سواءً من قبل المرشحين أنفسهم أو عبر جهات خارجية تسعى للتأثير على الرأي العام.
وقد صدرت دعوات لمفوضية الانتخابات الفيدرالية (FEC) ولجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC) لفتح تحقيق رسمي في أهداف المشروع، والبحث في إمكانية وجود تبرعات سياسية غير معلنة أو محاولات لتضليل الناخبين من خلال أدوات رقمية.
احتمالية تورط جهات أجنبية
أحد أبرز جوانب القلق التي تم تسليط الضوء عليها هو احتمال دخول مستثمرين أجانب في المشروع، بما يُخالف قوانين تمويل الحملات الانتخابية الأمريكية. إذ تحظر القوانين الأمريكية مشاركة أموال أجنبية في أي شكل من أشكال الدعاية أو التمويل السياسي، سواءً بشكل مباشر أو عبر وسطاء.
وبحسب تقارير تقنية، فقد تم رصد عناوين محفظات إلكترونية مصدرها مناطق تقع خارج الولايات المتحدة، من بينها أوروبا الشرقية وآسيا، شاركت في شراء كميات ضخمة من Trump Coin خلال المراحل الأولى.
ما موقف دونالد ترامب؟
حتى الآن، لم يصدر أي تصريح رسمي عن دونالد ترامب ينفي أو يؤكد علاقته بالعملة. ويُذكر أن ترامب كان قد عبّر في السابق عن مواقف متباينة تجاه العملات الرقمية، إذ وصفها مرة بأنها “خطيرة ومضخّمة”، بينما أشار لاحقًا إلى اهتمامه بإعادة ضبط السياسة الأمريكية تجاهها في حال فوزه مجددًا.
غياب توضيح رسمي من ترامب قد يُزيد من الغموض ويُعقّد من مهمة الجهات التنظيمية التي تسعى لفهم مدى الارتباط الفعلي بين العملة والحملة الانتخابية.
الإطار التنظيمي في مواجهة تحديات جديدة
أعادت هذه الحادثة تسليط الضوء على الفجوات التشريعية والتنظيمية التي لا تزال قائمة في ما يتعلق باستخدام العملات الرقمية لأغراض سياسية. فحتى الآن، لا توجد قواعد واضحة تُلزم الكيانات المجهولة بإفصاحات مالية عند استخدام الرموز الرقمية في أنشطة قد تُفسر على أنها دعائية.
ويُطالب خبراء الانتخابات بتحديث القوانين لتشمل منصات التمويل اللامركزي والعملات المشفرة، وتوسيع نطاق الرقابة على الحملات الرقمية غير الرسمية.
تأثير ذلك على سمعة العملات الرقمية
رغم أن استخدام العملات المشفرة في السياسة ما يزال هامشيًا، إلا أن الحوادث المتكررة من هذا النوع تُهدد بثقة الجمهور في هذا القطاع. وقد يُستخدم مثال Trump Coin لإعادة فرض رقابة صارمة على الابتكار في مجال الأصول الرقمية.
ومن المتوقع أن تُصدر وزارة الخزانة الأمريكية ولجنة التجارة الفيدرالية (FTC) بيانات إرشادية جديدة توضح حدود استخدام الرموز المشفرة في الحملات الدعائية والتمويل السياسي.
بين حرية الابتكار وحدود التنظيم
تكشف حادثة Trump Coin عن بُعد جديد في العلاقة المتشابكة بين السياسة والتكنولوجيا. ففي الوقت الذي تُوفّر فيه العملات الرقمية أدوات متقدمة للتفاعل والتمويل، فإن غياب الأطر القانونية الواضحة يفتح المجال للتلاعب والتأثير غير المشروع.
وبينما تُراقب الأنظمة الديمقراطية هذا التطور بحذر، يبقى التحدي الأساسي هو كيفية تنظيم هذا المجال دون قمع الابتكار أو التضييق على الحريات الرقمية.