في خطوة غير مسبوقة على مستوى السياسات النقدية المعاصرة، أعلنت السلطات التشريعية في أوكرانيا عن إعداد مشروع قانون يقضي بإدراج عملة البيتكوين ضمن صندوق احتياطي الحرب، كأداة استراتيجية لدعم الاستقرار المالي في زمن النزاعات. وتثير هذه الخطوة تساؤلات جوهرية حول إمكانية اعتماد البيتكوين كجزء من الاحتياطي الوطني للدولة في المستقبل القريب.
الخلفية الاستراتيجية للمشروع
تأتي هذه المبادرة في ظل استمرار النزاع المسلح بين أوكرانيا وروسيا، والذي أدى إلى ضغوط شديدة على النظام المالي الوطني، وارتفاع الاعتماد على التمويل الطارئ والمساعدات الخارجية. وفي هذا السياق، ترى السلطات الأوكرانية في الأصول الرقمية، وبخاصة البيتكوين، وسيلة بديلة وغير تقليدية لتعزيز الصمود المالي السيادي.
ويُعد هذا الطرح جزءًا من سياسة أوسع لتحديث هيكلية الاقتصاد الرقمي، واستغلال التكنولوجيا لتعزيز الشفافية، والحد من الفساد، وتنويع أدوات تمويل الحكومة خلال فترات الأزمات.
أهداف مشروع القانون
وفقًا للبيانات الصادرة عن اللجنة الاقتصادية في البرلمان الأوكراني، فإن مشروع القانون يهدف إلى:
-
السماح باستخدام الأصول الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين، ضمن أدوات تمويل احتياطيات الدولة في حالة الطوارئ.
-
إنشاء حسابات رسمية بالعملات الرقمية ضمن وزارة المالية والبنك الوطني الأوكراني.
-
تطوير منصة شفافة لتلقي وتخزين التبرعات الرقمية، ودمجها ضمن إطار الميزانية الوطنية.
ويُتوقع أن يتم طرح المسودة الأولى للنقاش البرلماني خلال الأسابيع القادمة، وسط دعم من عدد من نواب المجلس الأعلى (Verkhovna Rada).
كيف وصلت أوكرانيا إلى هذه النقطة؟
منذ بداية الأزمة الروسية، كانت أوكرانيا من بين الدول القليلة التي اعتمدت على العملات الرقمية لتمويل العمليات الإنسانية والعسكرية. فقد نجحت السلطات، في وقت سابق، في جمع عشرات الملايين من الدولارات عبر تبرعات بالبيتكوين والإيثريوم وUSDT، عبر منصات شفافة وعلنية.
هذه التجربة العملية عززت من ثقة الدولة في قدرة العملات المشفرة على لعب دور فعّال في حالات الطوارئ، ودفعت باتجاه دراسة إدماجها ضمن الاستراتيجية الوطنية المالية.
آراء الخبراء والمؤسسات الدولية
تباينت الآراء حول مشروع القانون الأوكراني. فبينما رحّب به بعض خبراء البلوكشين كمبادرة شجاعة ومبتكرة، أعربت مؤسسات مالية دولية، مثل صندوق النقد الدولي، عن تحفظها إزاء اعتماد أصول متقلبة في سياسات احتياطية رسمية.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن أي محاولة لاستخدام البيتكوين كاحتياطي سيادي يجب أن تُرافق بإجراءات صارمة لإدارة المخاطر، بما في ذلك آليات التحوط، والتقييم الدوري، وتحديد سقف مخصصات الاستثمار الرقمي.
هل تصبح أوكرانيا أول دولة تضيف البيتكوين إلى احتياطيها الوطني؟
رغم أن دولًا مثل السلفادور اعتمدت البيتكوين كعملة رسمية، فإن إدراجه ضمن الاحتياطي الوطني كأصل استراتيجي لا يزال خطوة غير مسبوقة في أوروبا الشرقية. وإذا تم إقرار هذا القانون، ستُصبح أوكرانيا أول دولة تُدرج البيتكوين ضمن احتياطياتها الدفاعية والمالية الرسمية.
ويُشكل هذا الأمر، حال تنفيذه، سابقة قد تدفع دولًا أخرى في مناطق الصراع أو الأزمات الاقتصادية إلى التفكير بخيارات رقمية مشابهة، خاصة مع تراجع الثقة في بعض العملات الوطنية.
التحديات القانونية والتنفيذية
من أبرز التحديات التي تواجه هذا المشروع:
-
عدم وجود إطار قانوني موحد لتنظيم الأصول الرقمية على المستوى الدولي.
-
تقلب سعر البيتكوين وتأثيره على التقييم الدوري للاحتياطي.
-
الحاجة إلى تنسيق دقيق مع البنوك المركزية والمؤسسات الدولية.
كما سيُطلب من الجهات المعنية تطوير آليات جديدة لحفظ وتأمين الأصول الرقمية، وضمان عدم استغلالها في أنشطة غير مشروعة.
التحوّل الرقمي في زمن الحرب
إن توجه أوكرانيا لإدماج البيتكوين ضمن صندوق احتياطي الحرب يُمثّل تحولًا جوهريًا في التفكير المالي السيادي. وبينما يواجه النظام المالي العالمي مرحلة تحول شاملة، تُقدم كييف نموذجًا مبتكرًا للاستفادة من تكنولوجيا البلوكشين في تعزيز الأمن المالي والوطني.
ورغم التحديات، يبقى مستقبل هذه الخطوة مرهونًا بمدى فعالية التشريع، وقدرة الدولة على إدارة المخاطر، وتوافر البنية التحتية الرقمية اللازمة. إلا أن المؤكد أن العالم بدأ يُدرك أن العملات المشفرة قد تصبح جزءًا من المعادلة السيادية في المستقبل القريب.